بسم الله نبدأ، وعلى هدي نبيه صلى الله عليه وسلم نسير
أحبتي في الله, أسأل الله تعالى أن يجمعنا في مستقر رحمته إخواناً على سرر متقابلين.
فمن حكمة الله تعالى فينا أن أوجدنا في زمن غربة الإسلام , حيث القابض على دينه حقاً كالقابض على الجمر, وقد خُوِّنَ الأمين وائتمن الخائن, ونطقت الرويبضة, وقد يكون هذا الزمان هو ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بأن أجر المؤمن فيه بخمسين من الصحابة, وفي ظل غربة الإسلام التي أخبر عنها المصطفى صلى الله عليه وسلم نجد مفاهيم جديدة وألقاباً مستحدثة تفرض نفسها على واقع المسلمين, حيث نجد أهل الحق قلة, وسط غثاء منتشر وموج متلاطم من الباطل والهشاشة في الفهم والمعايير.
ومن هذه المفاهيم أو الألقاب هذا اللقب الذي يرتبط الآن في واقعنا بكل من يوحد الله ويحمل راية السنة ألا وهو لقب "ملتزم".
والحقيقة أن هذا اللقب واسع جداً, بل من الصعب أن ننزله على شخص بعينه لأنه من التزكية الشرعية, التي لها شروط, ثم إن اللقب نفسه يحمل من عظائم المعاني والتطبيقات ما يصعب معه تحديده.
ولكن في مجمل الأمر فنحن جميعاً نقصد به من يتبع منهج الحق ولواء السنة المطهرة من شباب الصحوة الإسلامية المباركة, ولو دققنا في مفهوم الالتزام لوجدنا الأمر يسير وليس فيه تعقيد.
فالملتزم هو المُتَّقي, والتقوى: بمعنى أن تجعل لنفسك من الشيء واق تحتمي به من هذا الشيء , وتقوى الله تعالى أن تتقي غضب الله, بأن تجعل لنفسك من عقابه وغضبه تعالى وقاية متمثلة في إتيان ما أمر والانتهاء عما نهى وزجر, بأن تفعل ما أمر الله على نور من الله ترجو ثواب الله, وأن تنتهي عما نهى الله بنور من الله تخشى عقاب الله,
إذن فالملتزم هو الذي التزم حدود الشرع في قوله وفعله واعتقاده, إذن فالملتزم هو صاحب الاعتقاد الصحيح, مع ما يصاحبه من فعل صحيح, ولا يتأتي هذا إلا بتوفر شرطين:
الأول: تجريد الإخلاص: الذي هو ببساطة ألا تفعل فعلاً أو تعتقد اعتقاداً قلبياً أو تتكلم بكلام ترجو فيه الأجر من الله إلا وتخلصه لله، بلا شائبة شرك أكبر أو أصغر, فلا تصرف العمل لغير الله من ولي ولا نبي ولا حجر ولا شجر, ولا تفعله أيضاً رياءً فيحبط العمل والعياذ بالله. (وهذا يحتاج لتعلم علم العقيدة والتوحيد وتطبيقهما عملياً فمجرد العلم لايفيد)
الثاني: تجريد المتابعة: وهو أن يكون العمل صحيحاً متبعاً فيه ما جاء به الشرع المتمثل في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم (أي أن نعبد الله بعلم وليس على مذهب الكفار{ إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ } ، فإن أردت أخي أو أردت أختي في الله أن تعرف أو تعرفي هل أنت ملتزم أم لا، فاعرض نفسك على هذين الشرطين والتعريف السابق، ولك مني إضافة إلى ما سبق بعض إشارات على طريق الالتزام:
أولاً: قد يظن البعض أن الالتزام إنما هو مقصور على من صلح ظاهره، بحيث إذا وجد الرجل صالح المظهر أطلق عليه لفظ الملتزم. فمثلا لا يطلق لفظ الملتزم إلا على من أطلق لحيته وقصر ثوبه وغيره يعتبر من غير الملتزمين... وكذا في واقع النساء بعضهن يعتبرن الملتزمة هي فقط من ارتدت النقاب وما دون ذلك فهي من غير الملتزمات. وفي الحقيقة أن هذه النظرة صحيحة من وجه وخطأ من وجه... فأما كونها صحيحة من وجه، فلأن هذا الذي التزم بالهدي الظاهر إنما التزم بفرائض واجبة فهو ملتزم من هذا الوجه.... أما وجه الخطأ فهو أن الالتزام كما بينَّا ليس مقصوراً على الالتزام بالفرائض والأوامر الظاهرية فقط، فهناك فرائض قلبية كمحبة الله, والولاء لله ورسوله والمؤمنين، والبراء من الشرك والمشركين وكالتخلص من خصال النفاق، أعاذنا الله وإياكم منها, وكالتزام الاعتقاد الصحيح,الذي لا يدل عليه مجرد الظاهر, لذ نجد أن بعض من يُطلَق عليه لفظ الالتزام قد يأتي بأفعال تناقض تماماً هذا اللفظ, فمثلاً قد يأتي بغيبة في مجلس, أو غش في بيع, أو سوء في خلق, وهنا تجد الاتهام موجه كالسهام لكل من أطلق عليه هذا اللفظ, ولو ع**نا الوضع فهناك ممن لم يلتزم بالهدي الظاهر إما لشبهة تعتريه أو لخوف من بطش يصيبه أو لعذر معين, قد يأتي هذا الشخص بأفعال تجعله في ميزان الشرع من أهل الالتزام، كأن يخدم الإسلام بالدعوة الصادقة الصحيحة أو يكون أميناً في بيعه, طيباً في خلقه وهذا نراه كثيراً. لذا علينا ألا نحجر واسعاً ونقتصر بلفظ الالتزام على من التزم الظاهر فقط، وإنما نحكم على الشخص بمجمل اعتقاده وعمله, وإلا فنحن بذلك نظلم هذا الملتزم بالهدي الظاهر لأننا حملناه أمانة لو قصر في بعضها، لكان سببا في الهجوم على الالتزام وأهله والإسلام وأهله، وأيضاً نظلم هذا الذي قصر في الظاهر ولكنه اجتهد في الاعتقاد والعمل ونسلبه وصفاً هو من حقه.
ثانياً: أن الالتزام لا ينافي وقوع الملتزم في المعصية وإلا فنحن بذاك ندعي العصمة للملتزمين, وهذا خطأ, فالمعاصي وقعت في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم من أصحابِ أنصع اعتقاد وأطهر قلوب في الأمة بلا شك ولا ريب, بل دافع الرسول صلى الله عليه وسلم عن بعض أصحاب المعاصي بعدما تابوا كما أشار بأبي هو وأمي على خالد، في حق الغامدية التي زنت بأنها تابت توبة لو تابها جابي م** لوسعته, وكذا شارب الخمر الذي كان يتوب ويرجع لمعاقرة الخمر فيقام عليه الحد، فلما وقع فيه أحد الصحابة أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن هذا الرجل يحب الله ورسوله. فقد يفعل الملتزم المعصية, ثم يتوب الله عليه, فواجبنا تجاهه أن نأخذ بيده ولا نعين الشيطان عليه.
ثالثاً: أن الالتزام غير مقتصر على أهل جماعة بعينها أو فكر بعينه، ولكن كما أوضحنا فإن الالتزام عقيدة وسلوك, فمن الخطأ أن يعتقد أهل جماعة معينة أو فكر معين أن لفظ الالتزام مقتصر على هذه الطائفة أو أصحاب هذا الفكر, وإنما ننصح هؤلاء بأن يمدوا جسور المودة بينهم وبين من سواهم من أهل الإسلام، ويأخذوا بقول الشافعي رحمه الله: "قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب", خاصة وأن الخلافات في مجملها حول أمور عملية لا يتعدى المخطئ فيها كونه من أصحاب الأجر الواحد والمصيب من أصحاب الأجرين إن شاء الله, وأسدي لهم نصيحة الإمام ابن القيم:
وتعر من ثوبين من يلبسهما
يلقى الردى بمـــــذلة وهوان
ثوب من الجهل المركَّب فوقه
ثوب التعصّبِ بئست الثوبان
وتحل بالإنصاف أفخر حلة
زينت بها الأعطاف والكتفان
وهنا أذكر موقفاً لأحد العلماء الفضلاء من عصرنا الحالي حيث سأله أحد طلابه المقربين: متى التزمت يا شيخنا، فأجاب : لم ألتزم بعد !!!!!!!!
وتذكر أخي الحبيب أننا جميعاً ما نأمل إلا الظفر بالجنة, والنجاة من النار, فهيا إلى جنات عدن، فإنها محطتنا الأولى وفيها المخيم إن شاء الله,
أسأل الله تعالى أن ينصر الإسلام والمسلمين, ويذل الشرك والمشركين, اللهم انصر الإسلام في فلسطين والعراق وكشمير والشيشان, وفي كل بقعة من بقاع الأرض يا منان, اللهم فرِّج كرب المكروبين وفك أسر المأسورين, وأبرم للأمة أمر رشدٍ يعز فيه أهل الطاعة ويذل فيه أهل المعصية، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين